كتب محمد النغيمش:
تقدمت فتاتان لشغل وظيفة سكرتيرة في إحدى المؤسسات إحداهما جميلة جدا والأخرى ليست كذلك أبدا، فسأل المدير الأولى على سبيل اختبار معلوماتها العامة: من هو بلد المليون شهيد؟ فقالت الجزائر، وإحقاقا لمبدأ المساواة قال للثانية: سأسألك. سؤالا واحدا أيضا: عددي لي أسماء المليون شهيد لو سمحت!! ذكرتني هذه النكتة الشهيرة بواقع ملحوظ في طريقة اختيار البعض للسكرتيرات، علما بأن السكرتيرة الحسناء ليست بالضرورة أفضل اختيار للإدارة، إذ إن المؤهلات والقدرات والمهارات هي المعايير الأساسية في المفاضلة بين المتقدمين لهذه الوظيفة.
ولأنه من الملاحظ أن أكثر ما يشغل هذه الوظيفة هن النساء فإن حديثنا سيكون منصبا عليها، لأن معايير اختيار السكرتيرات كثيرا ما يختلط حابلها بنابلها فلا يوفق المدير في تعيين مساعدة مكتبية أو مديرة مكتب تستطيع القيام بمهامها على الوجه الأكمل.
أتريد عارضة أزياء؟
بعض المديرين يأسره جمال السكرتيرة المتقدمة إلى الوظيفة فيغض الطرف عن نقاط ضعفها ومؤهلاتها ومهاراتها التي لا تتناسب مع مهامها الوظيفية، وكأنه يبحث عن عارضة أزياء أو موظفة تتطلب وظيفتها فقط أن تكون حسنة المظهر مثل موظفة المبيعات أو التسويق أو موظفات الخطوط الأمامية وما شابهها. وبعدما يسارع المدير إلى تعيينها، اعتقادا منه أنها الحل الأمثل، يدرك العاملون معها في الإدارة أنها لا تفقه شيئا من العمل السكرتاري، وأنه ليس لديها الحد الأدنى من القدرة على تحمل أعباء هذه الوظيفة الصعبة، غير أن هذا المدير إذا كان قرار تعيينه لها مبنيا على عواطف بحتة فإنه سوف يجد لها مبررات عديدة ويقف إلى جانبها، وهو سلوك يسميه علماء النفس «بالحيلة العقلية» التي يطلقها العقل الباطن للمدير، لتبرير قرار تعيينها، لأنه يدرك أن قراره كان مبنيا على أساس «عاطفي» وليس «منطقي» مرتبط بمدى كفاءتها.
الوقوع في الشرك
وللأسف الشديد فإن قرار تعيين السكرتيرات، في مؤسسات عديدة، صار ينفرد فيه مدير الإدارة وحده، ولا يخضع إلى مشاركة من لجنة أو إدارة الموارد البشرية. وقد يتعثر هذا المدير المتحمس لسكرتيرته الجميلة في شراك فعلته، فيقع في حب السكرتيرة، ويتطور به الأمر حتى يجد نفسه راغبا في الزواج منها كزوجة ثانية على أم أبنائه، وربما يتطرف البعض فيمارس مع السكرتيرة الحسناء (التي اختارتها عواطفه) سلوكيات مشينة يندى لها الجبين، فيُسقط في يده، فلا هو يستطيع أن يفصلها ليرتاح ولا يستطيع أن يبتعد عنها، لأن مشاعر الحب جياشة وأخبار المحبين تنتشر بسرعة في محيط العمل، وربما يضيف إليها بعض الزملاء السلبيين رتوشات وتوابل قليلة من المبالغات وتكون الضحية سمعة المدير وسكرتيرته.
وللأمانة واحقاقا للحق، فإن وطننا العربي الكبير ينعم - ولله الحمد والمنة - بنساء فاضلات وبمديرين أفاضل ليس بينهم سوى ما يرضي الله عز وجل لأن علاقتهم قائمة على أساس متين من التعامل الأخلاقي الراقي، واجتناب الأمور التي فيها شبهة، فلا يمكن لكائن من كان أن ينال من سمعتهم، أو حتى يفكر في ذلك.
قدرة على الطباعة
أما عن كيفية المفاضلة بين أفضل سكرتيرة متقدمة فتكون بمعرفة معايير عدة متعارف عليها لدى معظم المنظمات. على سبيل المثال، من الأهمية بمكان أن يكون لدى المتقدمة إلى الوظيفة قدرة على طباعة ما يقارب 35 كلمة في الدقيقة، وبنسبة خطأ في طباعة الكلمات لا يتجاوز 10 في المائة من كلمات المادة المطبوعة. وهذه المهارة المهمة يجب أن تختبر في السكرتير المتقدم إلى الوظيفة. وتكون الطريقة بقسمة عدد الكلمات على عدد الدقائق المستغرقة في الطباعة، مثال ذلك، تقسيم عدد كلمات قطعة تتكون من 300 كلمة على سرعة طباعة مدتها 10 دقائق فتكون النتيجة أن سرعة الطباعة هي 30 كلمة في الدقيقة.
قدرات لغوية
كما أنه من الأهمية أن يكون لدى المرشحة للوظيفة قدرات على الصياغة اللغوية واكتشاف الأخطاء في الرسائل التي تكتبها حتى توفر على المدير وإدارته وقت التصحيح والاقتراحات، ففي بعض الإدارات تعد السكرتارية عشرات الرسائل يوميا وهو أمر كاف لتضييع وقت العاملين في أمور بدهية كان من المفترض في السكرتيرة أن تجيدها.
تحمل الضغوط
وهناك أمور لا يمكن أن تظهر من المقابلة الشخصية للمرشح للوظيفة، بل تحتاج إلى التحقق وذلك بتعيينها بصفة مؤقتة لمدة 100 يوم، كما تنص عليه قوانين العمل في عدد من الدول العربية، وهو حق مشروع للمؤسسة حتى لا تتورط في تعيين موظف يكون عالة عليها وعلى العاملين فيها. ومن هذه الأمور التي تظهر بعد التعيين المؤقت: القدرة على تحمل الضغوط الوظيفية، وحسن التعامل في أجواء العمل الجماعي وتقبل الناس بجميع أنواعهم وشخصياتهم، بالإضافة إلى القدرة على التواصل مع الآخرين شفاهة كاللباقة في الرد على المتصلين والعاملين، والمقدرة على تنظيم جدول المدير أو العاملين في الإدارة لضمان عدم هدر أوقاتهم في اتصالات أو اجتماعات غير مهمة.
التعامل مع الحاسوب
وفي عصرنا الحالي، يصعب أن تتفوق سكرتيرة في أدائها ما لم تتقن جيدا التعامل مع الحاسوب وجميع برامجه مثل برامج الـWord للطباعة وExcel وPowerPoint ومايكروسفت Outlook وغيرها من برامج تحسن من كفاءة وسرعة أداء الإدارة، وتجعل السكرتيرة ذات قيمة مضافة تدفع كل العاملين في الإدارة إلى التمسك بها لقدراتها وحسن أدائها وليس لأمور شكلية بحتة.
اختيار المتقدمة لوظيفة السكرتارية يجب أن تراعي فيه مصلحة الإدارة والمنظمة ككل، وليس مصلحة المدير الشخصية، حتى لا يفسد المدير بنزوته وعواطفه تجاه السكرتيرة، غير الكفوءة، ما جناه في تاريخه الوظيفي الطويل.
الراتب وحده لا يكفي
الراتب وحدة لا يغري السكرتيرة الكفوءة. فكلما كان السوق تنافسيا كانت هناك حاجة ماسة إلى تقديم مميزات متعددة أكثر من مجرد راتب جيدة للسكرتيرة المتميزة وذلك ليكون لديها الرغبة في الانضمام إلى المنظمة. فمسألة تقديم راتب «معادل لسعر السوق» أصبحت مسألة قديمة أكل عليها الدهر وشرب، كما يقال، فلا بد من تقديم امتيازات كمكافاة مالية أو تذاكر سفر أو تأمين صحي وغيرها، حتى نضمن تعيين أفضل سكرتيرة ونبقيها لأطول مدة زمنية ممكنة.
